عبر أحمد قريع رئيس دائرة شئون القدس فى منظمة التحرير الفلسطينية عن تشاؤمه من المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، واصفا ما يحدث الآن بأنه مسرحية يشارك فيها ثلاثة أطراف بشكل رسمى، وهم أمريكا وإسرائيل وفلسطين، فيما بقى الجانب العربى متفرجا على أطراف هذا المسرح.
قريع والملقب فلسطينينا بأبو العلاء تحدث أمس، الأحد، فى ندوة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن خبراته التفاوضية مع الاسرائيليين، ناصحا الفلسطينيين ومن خلفهم العرب بعدة نصائح، منها عدم الخطأ فى قراءة وفهم مواقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ووصفها بأنها تقف بجانبهم، والتوحد على موقف موحد يجمع كل الفصائل، بما ينهى الانقسام الموجود حاليا، وأن يحل العرب قضاياهم حتى لا تتأثر القضية الفلسطينية.
أبو العلاء بدأ الندوة بقوله "القضية الفلسطينية الآن تمر بمرحلة فى منتهى الدقة والصعوبة، ومنعطف خطير، وربما لا أبالغ إذا قلت إنه من أخطر المنعطفات التى مرت بها القضية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية"، واصفا ما يحدث الآن بالمسرحية التى يتلاعب فيها أطراف عدة، وهى الجانب الفلسطينى بإمكانياته المحدودة، والإسرائيلى "بمراوغاته"، والجانب الأمريكى، والعربى الذى يجلس على أطراف المسرح.
وحول الهدف من تمسك حكومة نتانياهو بيهودية الدولة، قال قريع إنهم يريدون التأكيد على صحة الرواية الصهيونية بأن هذه الأرض هى أرض إسرائيل، وإسقاط الرواية الفلسطينية العربية، وهنا يكمن الخطر، مشيرا إلى أن هذا ليس هو الطلب الأول، "ففى مؤتمر أنابوليس الذى رعاه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فوجئنا بأن الجانب الأمريكى ينحاز إلى الطرح الإسرائيلى وقتها بالحديث عن دولتين، دولة يهودية إسرائيلية ودولة فلسطينية، إلا أن الوفد الفلسطينى رفض هذه المسميات، وعطلنا وقتها المؤتمر لأكثر من ساعة رفض خلالها الوفد الفلسطينى الخروج للقاعة التى كان بها 50 دولة إلى أن تم تجاوز هذا البند".
وبدأ قريع بالحديث عن مراوغات الجانب الإسرائيلى، مشيرا إلى مفاوضات مدريد، وقال: وقتها كان إسحاق شامير هو رئيس الوزراء، وضغط عليه وزير الخارجية الأمريكى وقتها جيميس بيكر الذى كان يتسم بالحزم، لكن شامير رد عليه بقوله " سأفاوض الفلسطينيين لعشرات السنين حتى لا يوجد شىء يمكنهم التفاوض عليه".
وقال قريع أن ما قاله شامير هى استراتيجية إسرائيلية مرسومة تسير عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مشيرا إلى أن الفلسطينيين ذهبوا إلى مدريد بسقف معروف وهو الحكم الذاتى، ولم يكن الفلسطينيون ذاهبين لمفاوضات الوضع النهائى، ثم بالتوازى جاءت مفاوضات أوسلو التى كانت خروجا عن الاستراتيجية الإسرائيلية، لأنها جاءت بفترة انتقالية مؤقتة اشترط خلالها ألا تزيد عن خمس سنوات، وخلالها يجرى بدء التفاوض على قضايا المرحلة النهائية المحددة الممثلة فى الحدود والأمن واللاجئين والقدس والمستوطنات والمياه.
وأضاف قريع أنه عندما مثلت أوسلو خروجا عن الاستراتيجية الإسرائيلية فى التفاوض تم قتل إسحاق رابين من جانب إسرائيليين، تم إسقاط شريكه شيمون بيريز فى الانتخابات لأنهم خرجوا عن استراتيجيتهم.
ونفى قريع أن تكون المفاوضات الماضية لم تتطرق لقضية الاستيطان، وقال إن الاستيطان ظل دائما نقطة رئيسية للحديث، مع التأكيد على أنه مبدأ غير شرعى، لافتا إلى أن مصر فاوضت وحصلت على الأرض مع تدمير المستوطنات، وخلال المفاوضات الماضية تم التأكيد على أن الاستيطان عملية غير شرعية، وفى مفاوضات أوسلو تم النص ببند واضح على الاستيطان بالقول إنه لا يجوز لأى من الطرفين القيام بأى أعمال أحادية على الأرض، فى إشارة إلى المستوطنات.
وأكد قريع أن رابين سبق وأن ناقش قضية الاستيطان مع الراحل ياسر عرفات وقال رابين وقتها " سأبنى سياجا حول كل مستوطنة بما لا يبعد 50 مترا من آخر بيت ، حتى لا يحدث نمو طبيعى للمستوطنات".
وأشار قريع إلى أن نتانياهو هو من دمر اتفاق أوسلو كما اعترف بذلك فى تصريح نقلته القناة العاشرة الإسرائيلية، الذى قال فيه إنه يفتخر بأنه هو الذى دمر أوسلو، عندما أعاد التفاوض على اتفاق الخليل وفتح الاتفاق الانتقالى للتفاوض، وكان هذا خطأ، وبنى مستوطنة رأس العمود وفتح نفق تحت المسجد الأقصى.
وتحدث قريع عن فترة رئاسة إيهود باراك لرئاسة الحكومة الإسرائيلية ، وقال " عندما أتحدث عن باراك فأننى استدعى المقولة التى قالها الرئيس الراحل أنور السادات بأن إسرائيل لا يوجد بها صقور وحمائم ، وإنما هناك صقور وصقور جانحة " ، وهو ما ينطبق على باراك الذى هرب من استحقاقات المرحلة النهائية .
وعندما تحدث قريع عن الموقف الأمريكى، اكتفى بقوله أن العرب والفلسطينيين لم يفهموا الرئيس الأمريكى باراك أوباما جيدا، لأن أوباما الذى ظن البعض أنه متفاهم مع القضايا العربية، نسوا أن أمريكا دولة مؤسسات، وقال:" أسأنا فهم أوباما وقراءة حقيقة موقف الإدارة الأمريكية ، فهو قال فى خطابه بالقاهرة إن استمرار الاستيطان عمل غير شرعى، وبالتالى هو كان يتحدث عن الاستمرار ولم يتطرق إلى الفترة الماضية"، مؤكدا على " أن العرب والفلسطينيين الآن مطالبون بحسن قراءة الموقف الأمريكى حتى لا نحلم أحلاما وردية بينما الطريق كله أشواك".
واعتبر قريع أن الوضع الفلسطينى الداخلى ليس بأحسن أحواله، وقال " لا يجوز أن يظل الانقسام قائما ونحن نواجه هذه الحملة الإسرائيلية الشرسة ، فنحن الآن جبهتنا مفككة، وبالتالى الوضع ليس فى أحسن أحواله، ويجب إنهاء الانقسام أولا والاتفاق على برنامج سياسى واحد"، مشيرا إلى أن" أطرافا إقليمية (لم يسمها) مرتاحة للانقسام الفلسطينى، كما أن هناك أطرافا دولية مرتاحة لهذا الانقسام".
وقال قريع إن " إخواننا فى مصر بذلوا جهدا كبيرا وتحملونا لثمانية أشهر، اتفقنا خلالها على أشياء تم تضمينها فى الاتفاق، وأعتقد أن المصريين كانوا أمناء فى هذا الاتفاق".
وأشار قريع إلى أن الموقف العربى ليس فى أحسن أحواله هو الآخر، فهو منقسم ما بين الاعتدال والممانعة وعدم المبالاة، وهو ما ينعكس على القضية الفلسطينية. وقال إن " هذه هى أخطر مرحلة فى تاريخ القضية الفلسطينية، وإذا لم نتدارك أوضاعنا كعرب وفلسطينيين فإن ما سيحدث سيكون له تأثيره السلبى على المنطقة بأكملها".
وأشار إلى أن الخيارات الفلسطينية الآن مفتوحة، وقال إن أبو مازن تحدث عن خيارات متتالية هى الذهاب إلى مجلس الأمن، وإذا فشل هذا الخيار فليتم الإعلان عن الدولة الفلسطينية، وطلب وصاية دولية، لكنه أشار إلى أن الخيار الأول الآن هو المصالحة الفلسطينية ، وتوحيد الصف الفلسطينى.
الدكتور جمال عبد الجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، من جانبه قال إن القضية الفلسطينية هى قضية فريدة من نوعها فلا يوجد مثيل لها فى العالم، وإن التسوية لن تتم إلا فى ظروف استثنائية لأن ميزان القوة فى القضية يميل إلى الطرف الإسرائيلى المدعوم أمريكيا بما لا يساعد فى التوصل إلى تسوية عادلة، وقال إن التسوية يجب أن تسرق من التاريخ.
من جانبه ألقى الدكتور مصطفى علوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالمسئولية على منظمة فتح، التى تحولت إلى سلطة حكومية على الرغم من أن تاريخ الحركات التحريرية يقول إنه قبل تحرير الأرض من الخطأ استراتيجيا التحول إلى سلطة، لأنها فى هذه اللحظة تخلت عن مهمتها القومية ، وهو ما حدث مع فتح ، وهو ما وافق عليه قريع بقوله " فعلا فتح وفصائل المنظمة تحولت فعلا إلى السلطة ، وانشغلت فى العمل اليومى الروتينى ، ولكن نحن بشر ونحتاج إلى إعادة تقييم أنفسنا ذاتيا